يشكل القطاع التعاوني دعامة أساسية للاقتصاد المحلي بوصفه أداة فاعلة من أدوات تحقيق التنمية المستدامة بخاصة في الأرياف والقرى.
شهد العمل التعاوني بداية خجولة ومتعثرة قبل عام 1963، إلاّ أن سياسة الحكومة بدأت بإيلاء القطاع التعاوني عنايةً واهتمامًا كبيرين بدأ من خلال إصدار قانون الجمعيات التعاونية في عام 1964، إلاّ أنّ تأخر إصدار المرسوم التطبيقي حتى عام 1972 يليه إنشاء وزارة الإسكان والتعاونيات عام 1973، جعل من هذا التاريخ نقطة انطلاق العمل التعاوني المنظّم والمدعوم من قبل الدولة دعمًا متكاملاً.
تتجلى الغاية من تنظيم القطاع التعاوني ودعمه بالمحافظة على الطبقة المتوسطة من خلال دعم شريحة متوسطي ومحدودي الدخل، من خلال تنظيم ودعم مشاريع تعاونية صغيرة ومتوسطة الحجم تغطي كافة النشاطات الاقتصادية.
وبالفعل شهد القطاع التعاوني في بداياته انطلاقة زاخمة، حيث تم إنشاء جمعيات تعاونية فاعلة وناشطة منها الزراعية ومنها الاستهلاكية والسكنية وغيرها.
إلاّ أنّ عوائق ومطبات عديدة حالت دون محافظة الحركة التعاونية على مسارها المتصاعد، منها ما هو خارجي، يتعلق بتأثر المؤسسات والشركات التجارية الكبرى من بروز هذا القطاع وفرض ذاته ومحافظته على القوة اقتصادية لشريحة لا يستهان بها اجتماعيًا واقتصاديًا في ظلّ النظام الاقتصادي الحرّ، ومنها ما جاء ليضيف وهنًا على وهن على القطاع كاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 واستمرارها لعقد ونيّف وما نتج عنها من نزوح وهجرة من بعض القرى والمناطق اللبنانية.
وذلك بالإضافة إلى تداعيات الحرب السلبية لا سيّما على صعيد التغيير في الذهنيّة التي غَلَب عليها التراخي في العمل والجهد للحصول على النتائج الاقتصادية ما شكلّ العائق الداخلي الذي حوّر مسار الحركة التعاونية لفترة طويلة.
إن الاهتمام والدعم المالي الصرف الذي أولي لهذا القطاع حوّله بمرور الوقت من قطاعٍ منتجٍ إلى قطاعٍ متلقٍ يعتمد على التمويل غير الهادف وغير المرتكز على دراسات جدوى تضمن استمرارية واستدامة المشاريع التعاونية وتنوعها وتكاملها.
لذلك، نعمل اليوم على إعادة تصويب المفاهيم وتحديد الدور والغاية الأساسية لتنظيم هذا القطاع بما يخدم الاقتصاد المحلي وبالتالي الوطني.
لن نغفل، ضمن هذا الإطار، عن ذكر القطاع التعاضدي وتكامل تنظيمه مع التنظيم التعاوني في دعم الطبقة المتوسطة لا سيّما من خلال المساعدة التي تقدمها صناديق التعاضد لأعضائها، إن على الصعيد الصحي أو التعليمي أو غيرها.
لقد أنشئت هذه الصناديق ونظّمت لمساعدة ودعم شريحة متوسطي الدخل ومحدوديه من أعضائها خلال محطات أساسية ومفصليّة من حياتهم، (التعويض الصحي، التعليم، الزواج، الوفاة، نهاية الخدمة) وذلك بهدف تخفيف ما يترتب عنها من أعباء ماليّة يتعذر على المواطنين المنتمين لهذه الشريحة تحملها منفردين من دون تعاضد في ما بينهم مدعوم من الدولة ومن أعضاء شرف منتسبين للصناديق التعاضدية.
يتركّز العمل اليوم في المديرية العامة للتعاونيات للنهوض بالقطاعين التعاوني والتعاضدي على حدّ سواء وذلك من خلال إعادة تنظيم الأمور ووضعها في نصابها الصحيح، إن على صعيد إعادة تفعيل مهام وصلاحيات الوحدات الإدارية المختصة في المديرية العامة للتعاونيات بما يخدم الدور الذي تضطلع فيه على صعيد التنمية المحليّة وتحقيق النمو الاقتصادي، وإن على صعيد توجيه الدعم المخصص للجمعيات التعاونية وصناديق التعاضد ليصب في تحقيق الغاية التي أنشئت لأجلها.
نأمل أخيرًا أن يشكّل هذا الموقع أداةً تثقيفيةً تساهم في نشر الحركة التعاونية التي نظّمت في الأساس دعمًا للطبقة المتوسطة، لما تشكله من دينامية للقطاع الاقتصادي من خلال المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تديرها.
م. غلوريا أبو زيد